جلالة الملك يؤكد اهمية الشراكة العربية الصينية في حل القضايا التي تواجهنا
أكد جلالة الملك عبد الله الثاني إن الصين والعالم العربي عنصران رئيسيان في حلّ أهم القضايا في القرن الحادي والعشرين وهي استقرار الاقتصاد العالمي والسلام والأمن العالميين ومستقبل التفاهم والتعاون ما بين الثقافات.
واضاف جلالته في خطاب القاه في جامعة بكين صباح امس ان التحديات الاخرى تتمثل في حماية شعوبنا من عنف الحرب وخطر الإرهاب؛ وفي العمل على نمو اقتصادياتنا وخلق ازدهار جديد والوصول إلى المعرفة وزيادتها والتمتّع بميزاتها ومنح الأمل للأجيال الشابة، وهذه الاهداف لا يمكن تحقيقها بمعزل عن الاخرين.
وشدد جلالته على انه "ليس هناك شراكة أهم أو أكثر تعدديةً في أبعادها من تلك الشراكة القائمة بين الصين والعالم العربي."
ولخص جلالته القضيتين اللتين تواجهان العالم العربي بتحقيق السلام والاستقرار وتوسيع عملية التنمية، مضيفا ان الصين يمكن أن تلعب دوراً هاماً في دعم العملية السلمية في الشرق الاوسط، بصفتها قوة دولية وجارا آسيويا يحظى بالاحترام والثقة.
اما في مجال توسيع عملية التنمية فقال جلالته إن الصين تقوم بالفعل بدور هام كنموذج يُحْتذى وداعم وشريك في عملية التنمية.
وردا على اسئلة الحضور من معلمين في كلية العلاقات الدولية وطلاب ودارسين للغة العربية أكد جلالته حرصه على مضاعفة اعداد الطلاب الصينيين الذين يحصلون على بعثات لدراسة اللغة العربية في الجامعات الاردنية حسب اتفاقيات التعاون الثقافي بين البلدين، مشيرا الى وجود أربعة طلاب اردنيين اصطحبهم جلالته معه في هذه الزيارة ..اثنان منهم يدرسون اللغة الصينية.
وشدد جلالته على وجود امكانات هائلة للتعاون بين الصين والاردن في المجالات الاقتصادية،
معربا عن اهتمامه بتشجيع السياحة والتفاعل والتبادل الثقافي لتعزيز التفاهم بين العالم العربي
ككل والصين.
وردا على سؤال حول الدور الصيني في المنطقة قال جلالته ان الصين تلعب دور الوسيط النزيه بقيادة رئيسها هو جينتاو ولعبت دورا كبيرا في المحافظة على السلام والاستقرار الاقليمي من خلال موقعها كعضو دائم في مجلس الامن الدولي مؤكدا ان هذا الدور سيزداد في السنوات القادمة.
وفي كلمة ترحيبية بجلالته قال رئيس جامعة بكين شيو جي هونج ان هذا الخطاب يكتسب اهمية كبرى من تزامنه مع الذكرى الثلاثين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين الاردن والصين.
واشاد هونج بجهود جلالته في للقيام بدور فاعل في السعي للسلام العادل والشامل وتحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط، اضافة الى جهوده الداخلية لتعزيز الحريات المدنية من خلال التشريعات التي تضمن التنمية الاقتصادية والمساءلة والشفافية وتحقيق المساواة للمرأة، قائلا ان الاردن من اكثر الدول تقدما في المنطقة في هذا المجال.
واشار هونج الى وجود 14 مسؤولا اردنيا يتدربون في جامعة بكين.
وفي مقابلات مع وكالة الانباء الاردنية (بترا) قال طالب اللغة العربية فوزي شن انه سعيد لما سمعه من جلالة الملك حول زيادة عدد بعثات اللغة العربية للطلبة الصينيين، موضحا ان "الفرصة الذهبية متاحة لنا الان للذهاب الى الاردن ودراسة اللغة العربية خاصة وان عدم وجود بيئة لغوية كافية لدراسة اللغة العربية في الصين يشكل عائقا امام التعلم".
أما زميلته ون شو فقالت ان العلاقات العربية الصينية تتطور باستمرار ولهذا اختارت اللغة العربية للتخصص، مضيفة ان الحضارة والثقافة العربيتين عظيمتان ولهذا تريد ان تتعلم المزيد عنها وربما ساهمت في المستقبل في تطوير التبادل بين الثقافتين العربية والصينية.
وحضر الخطاب بمعية جلالته سمو الاميرة راية بنت الحسين ومدير مكتب جلالته الدكتور باسم عوض الله ووزير الخارجية عبد الاله الخطيب ووزير التربية والتعليم/وزير التعليم العالي الدكتور خالد طوقان ووزيرة التخطيط والتعاون الدولي سهير العلي ووزير الصناعة والتجارة سالم الخزاعلة ورئيس هيئة الاركان المشتركة الفريق اول الركن خالد جميل الصرايرة وعدد من كبار العسكريين.
وفيما يلي النص الكامل لخطاب جلالته في جامعة بكين:
بسم الله الرحمن الرحيم
شكراً لكم، إنه لشرف عظيم لي أن أكون معكم اليوم في الوقت الذي يحتفل فيه بلدانا بثلاثين عاماً من الشراكة.
وفي الواقع، فإن علاقاتنا تعود إلى منتصف القرن الرابع عشر الميلادي عندما ارتحل ابن بطوطة إلى الصين.. وبعد مائة عام، وصل أميرال البحر الصيني المسلم الشهير، زينج هي، إلى شبه الجزيرة العربية، وأرسل الحجّاج إلى مكّة.. وبالرغم من أنه لم ينتج عن حملتي الاستكشاف هاتين تطور كبير بين عالمينا، إلا أن بذور التبادل والصداقة زُرعت في ذلك الوقت.
واليوم، نشهد معاً تصميماً مُشتركاً، ومصلحة مشتركة، وأجندة مشتركة، فيما يتصل بتوسيع الشراكة بين بلدينا.
أصدقائي،
إن الصين والعالم العربي عنصران رئيسيان في حلّ أهم القضايا في القرن الحادي والعشرين والمتمثلة في استقرار الاقتصاد العالمي والسلام والأمن العالميين ومستقبل التفاهم والتعاون ما بين الثقافات.
ونحن نسعى كذلك لحماية شعبينا من عنف الحرب وخطر الإرهاب وما يمثله من تهديد؛ ونعمل أيضا على نمو اقتصادياتنا وخلق ازدهار جديد والوصول إلى المعرفة وزيادتها والتمتّع بميزاتها وبناء مجتمعينا ومنح الأمل لأجيالنا الشابة.
ومن الواضح، أننا لا نستطيع في هذا العالم الذي يشهد العولمة تحقيق هذه الأهداف في عزلة بل علينا أن نعمل معاً وليس هناك شراكة أهم أو أكثر تعدديةً في أبعادها من تلك الشراكة القائمة بين الصين والعالم العربي.
إن الأردن يقع في قلب واحدة من أكثر مناطق العالم استراتيجيّةً.. ومنطقتنا تقف عند النقطة التي تربط ما بين القارات.. ولكن الاستقرار والسلام والتقدم تظلّ جميعها عُرْضة لهجومٍ يُخلفه موروث من الفقر، والنزاع.. والتصدّي لهذه التحدّيات في منطقتنا يمكن أن يساعد في السير قُدُماً بالمصالح العالمية الهامة، بما في ذلك مصالح الصين، ودفعها إلى الأمام.
وبدورنا، فإننا في العالم العربي مهتمون بدرجة كبيرة بنجاح الصين.. فنحن نتطلع إلى بلدكم كأنموذج للتنمية الفاعلة وكقائد في الشؤون الدولية.. ونشعر بوضوح بصوت الصين القوي في
صنع السلام والتعاون الدولي، من خلال مقعدها الدائم في مجلس الأمن والأدوار العالمية الأخرى.
كما أننا نثمّن ثروتكم الفكرية والثقافية، والتزامكم بدعم تنمية الدول كبيرها وصغيرها.. ونحن بحاجة إلى شراكتكم الاقتصادية، من خلال تعزيز التجارة والاستثمار بيننا.
وهذه هي الأسباب التي تجعلني أرى دوراً رئيسياً للصين في مستقبل الشرق الأوسط وشراكةً متناميةً عالمياً.. وبالعمل معاً، يمكننا تسريع حلّ النزاعات الإقليمية وتجنّب المخاطر المستقبلية والإسهام في الاستقرار السياسي والاقتصادي على المستوى العالمي.
واسمحوا لي أن أتحدث عن مجالين أساسيين هامين، هما إنهاء النزاع وتوسيع التنمية:
إن النزاع الطويل المدمّر بين الإسرائيليين والفلسطينيين يقع في صُلْب الاستقرار الإقليمي
وهو همٌّ يؤرق المسلمين في أرجاء العالم.. فقد انتظر الفلسطينيون نحو ستين عاماً لتتحقق العدالة العالمية وأن يكون لهم وطن وقد حان الوقت لإحلال السلام.. وفي وقت سابق من هذا العام أعادت الدول العربية التأكيد على المبادرة التاريخية التي كانت قد وافقت عليها عام 2002، والتي تدعو
إلى التوصل إلى تسوية عادلة شاملة ودائمة.. وكان للأردن دور قيادي في الدعوة إلى التحرّك نحو البدء مرة أخرى في عملية السلام وصولاً إلى تأسيس دولة فلسطينية استناداً إلى مبادرة السلام العربية.
إن لدينا اليوم فرصة هامة للتقدّم بالعملية السلمية إلى الأمام لأول مرّة منذ سنوات عدّة، ونحن
نعدّ للاجتماع الدولي في وقت لاحق من هذا العام.. وعلينا أن نضمن أن تؤتى مثل هذه الفرصة
أُكُلها بحيث تكون النتيجة دفع الفريقين للاقتراب من تحقيق حلّ الدولتين.. والاختراق الذي يمكن تحقيقه سيقود أيضاً إلى حدوث تقدّم في حلّ النزاع العربي – الإسرائيلي الأوسع.
ويمكن للصين أن تلعب دوراً هاماً في دعم هذه العملية، بصفتها قوة دولية وجارٍ آسيوي يحظى بالاحترام والثقة.
إننا نقدّر الخطوات التي اتخذتها الصين بالفعل، بما فيها تسمية مبعوث خاص إلى الشرق الأوسط. ونحن ننظر بإعجاب إلى الدور الذي يلعبه المراقبون الصينيون في لبنان، والتزام الصين بأن يكون لها حضورا في دارفور تحت رعاية الأمم المتحدة.
أما المجال الثاني الذي نرى فيه قضية مشتركة بين بلدينا فيكمن في تعزيز التنمية.. فبالرغم من ثروة المنطقة النفطية، ما زالت معظم البلدان في الشرق الأوسط بلداناً نامية.. ولذلك، فعلينا أن نسير إلى الأمام إذا ما أردنا تلبية حاجات شعبنا، وخاصة جيل الشباب.
ونحن مثلكم، نسعى إلى إيجاد مسارٍ للنمو، ومثلكم أيضاً، نحن ملتزمون بالإصلاح والإبداع.. وقد جعلنا من أولوياتنا اتباع سياسات نموّ تعتمد على برامج رئيسية في التعليم والتدريب.
إن الصين تقوم بالفعل بدور هام كنموذج يُحْتذى وداعم وشريك.. والأردن وشعبه مُمتنان إلى درجة كبيرة للمساعدة التي قدمتهما الصين لنا في السنوات الماضية.. كما أننا نولي اهتماماً كبيراً إلى علاقاتنا التجارية والاستثمارية مع الصين.
وفي الشهر الماضي، زارت جلالة الملكة رانيا الصين للبحث في سبل تعزيز مصالحنا المشتركة
في قطاعات التعليم وتمكين المرأة والصحة.. وهناك أعداد متزايدة من الطلبة من الأردن يدرسون
في الصين، كما يحظى الباحثون والأكاديميون لدينا بعلاقات تبادل مفيدة وذات مغزى.. ويعمل التبادل الثقافي كذلك على تعزيز وإثراء تفهّم واحدنا للآخر.
وخلال اليومين القادمين من زيارتي، سيوقع المسؤولون الأردنيون وقادة الأعمال اتفاقيات للتعاون مع نظرائهم الصينيين في بكين وشنغهاي تغطي مجموعة متنوعة من المجالات تتراوح ما بين الطاقة النووية إلى التبادل الثقافي والتعليمي خصوصا بين جامعاتنا.. وسيقوم بنك الصين للتنمية بتأسيس مكتب في الأردن، كما سيكون لمؤسسة تشجيع الاستثمار الأردنية حضورها في الصين.
أصدقائي،
لقد قادت الصين تاريخياً اقتصادات العالم.. ويقول لنا الخبراء إن بلدكم ظلّ على مدى ألفي عام تقريباً ينتج ما يتراوح بين ربع وثلث الناتج المحلي الإجمالي في العالم.. والتحديات التنموية التي يواجهها بلدانا الآن ليست إلا موروثاً لا يتجاوز تاريخه بضع مئات من السنين.
واليوم، علينا أن نتذكر أن مسارنا إلى الأمام لا يشكل واقعاً جديداً، بل هو يعيد تأكيد دور شعبينا في مسيرة التقدّم العالمي.
إن الألعاب الأولمبية التي ستقام العام القادم في بكين ستضع بلادكم وإنجازاتها أمام أنظار
العالم بأسره.. وهذا الحدث الاستثنائي يتناغم مع ماضي بلدكم العظيم وحضوره الدولي المتزايد.
وآمل أن تنمو شراكتنا أيضاً.. فالدول العربية والصين لها موروث طويل من القيادة العالمية. وأعتقد أننا بعملنا معاً، يمكننا خلق مستقبل جدير بهذا الموروث – وهو مستقبل يمتدّ من البحار الأربعة إلى البحر الأحمر وما بعده.
وأشكركم شكراً جزيلاً.
عدد المشاهدات: 702
عدد المشاهدات: 702