خطاب جلالة الملك في الكونغرس يقابل بعاصفة من التصفيق الحار
لم يكن المشهد عاديا بأي شكل من الاشكال، بل كان بالاحرى مفاجئا لكل من حضر وشاهد خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الكونغرس الامريكي من غير الامريكيين.
عندما أعلنت الرئيسة الديموقراطية لمجلس النواب الامريكي نانسي بيلوزي عن وصول جلالة الملك الى القاعة التي عقدت فيها الجلسة المشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب الامريكيين، وقف جميع الحاضرين نوابا وشيوخا وسفراء مقيمين في واشنطن يصفقون لجلالته..تصفيقا حارا متواصلا لم يكل منه اصحابه ولم يتعبوا.
ولمن لم ير المشهد، استمر التصفيق طوال مرور جلالته بين الصفوف مصافحا ومسلما على كل من مد يده بالسلام، ليأخذ هذا التصفيق الاول أكثر من ثلاث دقائق قبل بدء الخطاب.
ثم استؤنف التصفيق عندما قالت بيلوزي انه امتياز وشرف كبير لها ان تدعو ملك المملكة الاردنية الهاشمية جلالة الملك عبدالله الثاني لالقاء خطابه.
وهذه هي اول مرة يلقي فيها زعيم عالمي خطابا امام الكونغرس الجديد في الولايات المتحدة بعد ان استلم الديموقراطيون القيادة فيه.
كان خطاب جلالة الملك عاطفيا بامتياز دعا فيه ممثلي الشعب الامريكي الى الامساك بزمام المبادرة بوحي من قوة بلدهم ونفوذها وتأثيرها لاعادة السلام الى منطقة الشرق الاوسط المنكوبة بالحروب والصراعات وعدم الاستقرار الناتج عن حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة منذ ستين سنة..مؤكدا لهم ان المسؤولية الاخلاقية لهذه الدولة التي بناها مهاجرون هربوا من الظلم والاضطهاد طلبا للحرية تحتم عليهم مساعدة المظلومين والمضطهدين في استعادة حقوقهم وحريتهم، فهذه هي امريكا وقيمها التي كان يراها عليها العالم قبل فترة ليست بالبعيدة في ذاكرة الشعوب.
ذكر جلالته نواب الشعب الامريكي بالقيم التي قامت عليها بلادهم، وبقيم السياسة الخارجية الامريكية التي أعلنها أحد اعظم رؤسائهم، فرانكلين روزفلت تحت قبة الكونغرس نفسها التي ألقى فيها جلالته خطابه، وهي احترام كرامة وحقوق كل الشعوب، صغيرة كانت أم كبيرة، وتعهد امريكي بالدفاع عن الحريات الانسانية الاربع: الحرية من الخوف، والحرية من الحاجة، وحرية التعبير وحرية الاعتقاد.
ثماني عشرة مرة صفق الحاضرون للمقاطع التي رأوها مهمة في خطاب جلالته.
صفقوا له عندما أبلغهم بأن الرسالة التي جاء يحملها باسم العرب جميعا هي رسالة السلام الذي يحل محل الفرقة والحرب والصراع؛ واستؤنف التصفيق عندما قال لهم..أنه ليس هناك ما هو اكثر الحاحا من استعادة عالم يعيش فيه الجميع بسلام، فهذا ليس مجرد أمر اخلاقي بل هو أمر أساسي لمستقبل العالم وتقدمه وازدهاره.
صفق ممثلو الشعب الامريكي، ديموقراطيين وجمهوريين، نوابا وشيوخا، وممثلو دول العالم الموجودون في واشنطن، لجلالته اكثر عندما شرح لهم بنود المبادرة العربية للسلام التي تمثل صفقة للحل الشامل والدائم والعادل للصراع بين كل العرب واسرائيل..معاهدات سلام وعلاقات طبيعية بين العرب جميعا واسرائيل وضمانات أمنية لكل دول المنطقة بما فيها الدولة العبرية، مقابل انسحاب اسرائيلي من كل الاراضي التي أحتلتها عام 1967 واقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة القابلة للحياة على الارض الفلسطينية وتسوية لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
صفقت القاعة لجلالته عندما أبلغهم ان عليهم التحرك..فلا شيء يؤكد الرؤية الاخلاقية لامريكا ويعلم شباب العالم درسا مباشرا في هذه الاخلاقيات الا قيادة عملية سلام في الشرق الاوسط تحقق نتائج مطلوبة وملموسة،ليس العام القادم أو بعد خمس سنوات، بل هذا العام قبل ان يفوت الاوان.
كان التصفيق يتم أيضا على المقاطع التي تحدث فيها جلالته عن الظلم الذي تعرض له الفلسطينيون..كان تصفيقا يدل على استحسان او ربما اقتناع..وقد تكون هذه هي الخميرة التي ستخمر العجين بعد حين.
من قراءة الوجوه والتصفيق والكلمات التي كان ينطق بها الموجودون يمكن ان نقول..ان جلالة الملك انتهز فرصة تاريخية نادرة منحتها له الولايات المتحدة نتيجة لثقة زعمائها بحكمة وصراحة جلالته ليقول للامريكيين..ان جوهر كل الصراعات في المنطقة وأم كل القضايا فيها هي القضية الفلسطينية، فهي مصدر الاستياء والاحباط والانقسام الاقليمي، وليس ايه قضية اخرى مهما بدت ملحة.
كان جلالته منصفا عندما تحدث للامريكيين..فالاطراف المعنية يجب الا تجلس ساكنة بانتظار تحرك امريكي لتحقيق السلام..فالمطلوب من الجميع ان يتحركوا..وقد قام العرب بواجبهم في هذا التحرك وقدموا مبادرتهم انتظارا لرد الطرف الاخر عليها.
وقد صفق الحاضرون جميعا عندما قال جلالته بصوت قوي تهدج من شدة التأثر..دعونا نقل لا للمزيد من سفك الدماء..فكم من الدماء يجب ان تسفك لحل هذه القضية؟ دعوا الاطفال والاباء والامهات يعيشون جميعا بسلام ويعملون من اجل المستقبل.
التصفيق الحاد عند المقاطع الحاسمة في خطاب جلالة الملك يجعلنا نتساءل..هل نشعر بالتفاؤل بان الولايات المتحدة ستتصرف قريبا بوحي من مسؤوليتها الكبيرة تجاه العالم وتجاه المنطقة التي طالما عانت من تجاهل حقوق الفلسطينيين؟ هل نشعر بالتفاؤل بقرب حل قضية العالم المركزية وبقرب تحقيق امل الاطفال وأهلهم في العيش بسلام والنظر الى المستقبل؟ نرجو ذلك.
عدد المشاهدات: 1158
عدد المشاهدات: 1158